مئذنة جامع المنصورة [ تلمسان ]



لم يبق من جامع المنصورة الكبير الذي أمر ببنائه السلطان المريني أبو يعقوب بن يوسف إلا الجدار الخارجي المشيد من الطوب المدكوك، والمئذنة التي ظلت شامخة قائمة تقاوم الزمان و الإهمال. وتشبه هذه المئذنة المآذن الموحدية التي بنيت في الأندلس وبمئذنة حسان بالرباط، وتظهر بوضوح تأثر العمارة الدينية المرينية بالموحدية. تمثل هذه المئذنة نموذجا فريدا في بلاد المغرب الأوسط ويعود فضل هذه الخصوصية إلى ثراء وتنوع الأنماط على مستوى الأشكال والزخارف.
وإذا كانت أسباب اندثار المنصورة وجامعها العظيم معروفة وترتبط بهدمها من طرف سكان تلمسان بعد انسحاب الجيوش المرينية لمدينتهم، فإن الروايات والأساطير تجر لنا قصصا كثيرة، منها تلك التي تروي أن السلطان حين أمر ببناء المنارة قسم العمل بين العمال المسلمين والعمال المسيحيين. وحين انتهي من بناء المئذنة تهدم الجزء الذي بناه الكفار وبقي بناء المسلمين قائما اعترافا بإيمانهم؛ وهو الجزء الذي ظل قائما إلى اليوم 1.
ترتفع مئذنة المنصورة في وسط الواجهة الشمالية للمسجد وهي تنتصب فوق المدخل الرئيسي للجامع، بحيث تكوّن مع المدخل جزءا واحدا. وهي أطول مئذنة في المغرب الإسلامي بعد الكتبية في مراكش ومئذنة حسان في الرباط. وقاعدة هذه المئذنة مربعة الشكل طول كل ضلع منها 10 أمتار.
أما الباب فهو على شكل ممر مقبب تعلوه قوس نصف دائرية مزينة بالزليج المطلي ومتوجة بشرفة مزخرفة؛ وقد نقشت في محيط الباب، بعد وفاة الأمير المريني أبو يعقوب يوسف، كتابة بخط أندلسي يبدو أنها تمت خلال الحصار الثاني لتلمسان، نصها:
" الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين. أمر ببناء هذا الجامع المبارك أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين المقدس المرحوم أبو يعقوب يوسف بن عبد الحق رحمه الله".
البرج الرئيسي:

تتألف مئذنة جامع المنصورة من برجين، برج رئيسي وهو بدن المئذنة وبرج آخر وهو الجوسق، ولقد تهدم هذا البرج ولم يبق اليوم منه أي أثر؛ كما تهدمت الواجهة الجنوبية للمئذنة والأجزاء الداخلية.
يتم الصعود إلى المئذنة بواسطة باب يعلوه عقد متجاوز يرتكز على عمودين من الرخام تاجهما مركبان 2 ويؤدي مدخل المئذنة إلى ردهة مستطيلة الشكل ومغلقة تعلوها بقايا عقد. أما الغرفة اليسرى فلا تزال تظهر فيها آثار قباب متقاطعة، وتحتل النواة المركزية الجوفاء مكانا يشبه ما عليه المآذن الموحدية ولا تزال آثاره قائمة .
وبخلاف ما كانت عليه المآذن بتلمسان، فإن مئذنة جامع المنصورة كان يتم الارتقاء إليها عن طريق صاعد يضيق باتجاه الأعلى بحيث يمكن للمرء أن يسير فيه فوق دابته، وقد ذكر ابن مرزوق ما نصه: " ولا شك أن صومعته لا تلحق بها صومعة في مشارق الأرض ومغاربها صعدتها غير مرة مع الأمير أبي علي الناصر وهو رحمه الله على فرسه وأنا على بغلتي من أسفلها إلى أعلاها وكأننا في وطاء من الأرض وكانت على الباب الجوفي منه ولها مجريان يطلع فيهما إلى أعلاها..." 3.
ويظهر من وصف ابن مرزوق أن الطريق الصاعد داخل المئذنة كان على قدر كبير من الاتساع، وتوحي النوافذ العديدة على طول البرج بأن داخل المئذنة كان يحتوي على غرف في الطوابق المختلفة. وكانت تلك النوافذ على شكل فتحات أو طاقات مربعة ومستطيلة، خصصت للإضاءة والتهوية والمراقبة.
يبلغ عرض الطريق الصاعد حوالي 1.33م وقطر النواة المركزية يصل إلى 4.60م، يجانبه حائطان سمك كل واحد منهما يفوق المتر. يلتف الطريق الصاعد حول النواة المركزية 6 دورات بشكل حلزوني، ويوجد في كل دور من المئذنة غرف متتالية بعضها فوق بعض، وقد أدى انفصال خشب الغرف الذي استعمل كروابط في الفتحات الجانبية للبرج إلى انهيار الجزء الداخلي من المئذنة وانهيار الطريق الصاعد 4.
الجوسق:
ينتهي جسم مئذنة المنصورة ببناء يعرف بالجوسق وتعلوه قبة صغيرة عليها سفود من حديد ركبت في أعلاه ثلاث تفاحات. يبلغ ارتفاع المئذنة 45م، ويقدر طول المئذنة عملا بقاعدة النسبة المعمول بها في البناء آنذاك بـ40 مترا ، والجوسق يصل إلى 5 أمتار 5. وقد ذكر ابن مرزوق أن المنارة كانت تعلوها تفافيح كلّف بناؤها ثمنا مرتفعا :"...ورأيت العمود الذي يركب فيه التفافيح وهو من حديد يشبه أن يكون صاريا..." 6.
1 : Charles BROSSELARD : « Les inscriptions Arabes de Tlemcen », Revue Africaine, 1859, 2ème ed., Alger :OPU, 1984, p.333.
2 : عزوق ، عبد الكريم: القباب والمآذن في العمارة الإسلامية، الجزائر: ديوان المطبوعات .الجامعية، 1996، ص64.
3 : ابن مرزوق الخطيب: المسند الصحيح في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن، تحقيق: ماريا. خ. بيغيرا، الجزائر، 1981، ص.402.
4 : Georges et William MARCAIS : Les Monuments Arabes de Tlemcen, Paris, 1903, p.62.
5 : غوتي بن سنوسي: الزخرفة في مساجد منطقة تلمسان، رسالة ماجستير، قسم الثقافة الشعبية،جامعة تلمسان، 1990، ص410.
6 : ابن مرزوق الخطيب: المسند الصحيح في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن، تحقيق:
ماريا. خ. بيغيرا، الجزائر، 1981، ص.402.