ذكر السلطان المعظم محمد أوزبك خان [ تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ]



قال ابن بطوطة عن سلطان بلاد الترك: واسمه محمد أوزبك "بضم الهمز وواو وزاي مسكن وباء موحدة مفتوحة". ومعنى خان عندهم السلطان. وهذا السلطان عظيم المملكة شديد القوة كبير الشأن رفيع المكان. قاهر لأعداء الله أهل قسطنطينية العظمى، مجتهد في جهادهم، وبلاده متسعة ومدنه عظيمة منها التكفار والقرم والماجر وأزاق وسرداق "سوداق"، وخوارزم وحضرته السرا وهو أحد الملوك السبعة الذين هم كبراء الدنيا وعظماؤها وهم مولانا أمير المؤمنين ظل الله في أرضه، إمام الطائفة المنصورة الذين لا يزالون ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة، أيد الله أمره وأعز نصره، وسلطان مصر والشام، وسلطان العراق، والسلطان أوزبك هذا، وسلطان بلاد تركستان وما وراء النهر، وسلطان الهند، وسلطان الصين. ويكون هذا السلطان إذا سافر في محلة على حدة، معه مماليكه وأرباب دولته، وتكون كل خاتون من خواتينه على حدة في محلتها، وإذا أراد أن يكون عنده واحدة منهن، بعث إليها يعلمها بذلك، فتتهيأ له. وله في محل قعوده وسفره وأموره ترتيب عجيب بديع. ومن عادته أن يجلس يوم الجمعة بعد الصلاة في قبة تسمى قبة الذهب مزينة بديعة، وهي من قضبان خشب مكسوة بصفائح الذهب، وسطها يسرير من خشب، مكسوة بصفائح الفضة المذهبة، وقوائمه فضة خالصة، ورؤوسها مرصعة بالجواهر، ويقعد السلطان على السرير، وعلى يمينه الخاتون طيطغلي، وتليها الخاتون كبك، وعلى يساره الخاتون بيلون، وتليها الخاتون أردوجا، ويقف أسفل السرير على اليمين ولد السلطان تين بك، وعن الشمال ولده الثاني جان بك وتجلس بين يديه ابنته إيت كجك. وإذا أتت إحداهن، قام لها السلطان، وأخذ بيدها حتى تصعد على السرير، وأما طيطغلي، وهي الملكة وأحظاهن عنده، فإنه يستقبلها إلى باب القبة، فيسلم عليها ويأخذ بيدها فإذا صعدت على السرير وجلست، حينئذ يجلس السلطان وهذا كله على أعين الناس دون احتجاب.
ويأتي بعد ذلك كبار الأمراء، فتنصب لهم كراسيهم عن اليمين والشمال وكل إنسان منهم إذا اتى مجلس السلطان، يأتي معه غلام بكرسيه، ويقف بين يدي السلطان أبناء الملوك من بني عمه وإخوته وأقاربه، ويقف مقابلتهم عند باب القبة أولاد الأمراء الكبار، ويقف خلفهم وجوه العساكر عن يمين وعن شمال، ثم يدخل الناس للسلام بالأمثل فالأمثل ثلاثة ثلاثة، فيسلمون وينصرفون، فيجلسون على بعد، فإذا كان بعد صلاة العصر انصرفت الملكة من الخواتين، ثم ينصرف سائرهن، فيتبعها إلى محلتها فإذا دخلت اليها انصرفت كل واحدة إلى محلتها راكبة عربتها، ومع كل واحدة نحو خمسين جارية، راكبات على الخيل وأمام العربات نحو عشرين من قواعد النساء، راكبات على الخيل، فيما بين الفتيان والعربة، وخلف الجميع نحو مائة مملوك من الصبيان، وأمام الفتيان نحو مائة من المماليك الكبار، ركباناً ومثلهم مشاة، بأيديهم القضبان، والسيوف مشدودة على أوساطهم وهم بين الفرسان والفتيان، وهكذا ترتيب كل خاتون منهن في انصرافها ومجيئها. وكان نزولي من المحلة في جوار ولد السلطان جان بك، الذي يقع ذكره فيما بعد وفي الغد من يوم وصولي دخلت إلى السلطان بعد صلاة العصر، وقد جمع المشايخ والقضاة والفقهاء والشرفاء والفقراء، وقد صنع طعاماً كثيراً، وأفطرنا بمحضره وتكلم السيد الشريف نقيب الشرفاء ابن عبد الحميد، والقاضي حمزة في شأني بالخير، وأشاروا على السلطان بإكرامي، وهؤلاء الأتراك لا يعرفون إنزال الوارد ولا إجراء النفقة، وإنما يبعثون له الغنم والخيل للذبح وروايا القمز، وتلك كرامتهم وبعد هذا بأيام صليت صلاة العصر مع السلطان، فلما أردت الانصراف أمرني بالقعود، وجاءوا بالطعام، من المشروبات كما يصنع من الدوقي، ثم باللحوم المسلوقة من الغنم والخيل. وفي تلك الليلة أتيت السلطان بطبق حلواء، فجعل إصبعه عليه وجعله على فيه، ولم يزد على ذلك.