بيت المقدس [ أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ]



قال المقدسي البشاري في وصف مدينة القدس: ليس في مدائن الكور أكبر منها.. وهي أصغر من مكة وأكبر من المدينة، عليها حصن بعضه على جبل وعلى بقيته خندق.. قصباتٌ كثيرةُ أصغرُ منها، كإصطخر وقاين والفرما، لا شديدة البرد وليس بها حرٌّ،وقلَّ ما يقع بها ثلج، وسألني القاضي أبو القاسم ابن قاضي الحرمين عن الهواء بها؟ فقلت: سجسج، لا حرٌّ ولا بردٌ شديد، قال: هذا صفة الجنة. بنيانهم حجر لا ترى أحسن منه ولا أتقن من بنائها ولا أعفّ من أهلها ولا أطيب من العيش بها ولا أنظف من أسواقها ولا أكبر من مسجدها ولا أكثر من مشاهدها. عنبها خطير، وليس لمعتَّقتها نظير. وفيها كل حاذق وطيّب، وإليها قلب كلّ لبيب، ولا تخلو كلَّ يوم من غريب. وكنتُ يوماً في مجلس القاضي المختار أبي يحيى بن بهرام بالبصرة فجرى ذكر مصر إلى أن سئلت أي بلدٍ أجلّ؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيها أحسن؟ قلت:ُ بلدنا، قيل: فأيها أطيب؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيها أكثر خيرات؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيها أكبر؟ قلت: بلدنا. فتعجّب أهل المجلس من ذلك، وقيل: أنت رجل محصل وقد ادّعيت ما لا يُقبل منك، وما مثلك إلا كصاحب الناقة مع الحجّاج، قلت: أما قولي أجلّ فلأنها بلدة جمعت الدنيا والآخرة، فمن كان من أبناء الدنيا وأراد الآخرة وجد سوقها، ومن كان من أبناء الآخرة فدعته نفسه إلى نعمة الدنيا وجدها. وأما طيب الهواء فإنه لا سمَّ لبردها ولا أذى لحرّها. وأما الحسن فلا ترى أحسن من بنيانها ولا أنظف منها ولا أنزه من مسجدها. وأما كثرة الخيرات فقد جمع الله تعالى فيها فواكه الأغوار والسهل والجبال والأشياء المتضادة كالأترج واللوز والرطب والجوز والتين والموز. وأما الفضل فلأنها عرصة القيامة ومنها المحشر وإليها المنشر، وانما فضلت مكّة والمدينة بالكعبة والنبي صلى الله عليه وسلّم ويوم القيامة تزفان إليها فتحوي الفضل كلّه. وأما الكبر فالخلائق كلّهم يحشرون إليها فأي أرض أوسع منها فاستحسنوا ذلك وأقروا به.
وقال أيضاً: القدس متوسطة الحر والبرد، قل ما يقع فيها ثلج، ولا أعف من أهلها ولا أطيبَ من العيش بها، ولا أنظف من أسواقها ولا أكبر من مسجدها ولا أكثر من مشاهدها. وكنتُ يوماَ في مجلس القاضي المختار أبي يحيى بهرام بالبصرة، فجرى ذكر مصر إلى أن سئلت:ُ أي بلد أجل؟ قلتُ بلدنا؛ قيل :فأيهما أطيبُ؟ قلت بلدنا؛ قيل: فأيهما أفضل؟ُ قلت بلدنا؛ قيل فأيهما أحسن؟ قلت: بلدنا؛ قيل :فأيهما أكثر خيرات؟ قلت: بلدنا؛ قيل: فأيهما أكبر؟ قلت: بلدنا. فتعجب أهل المجلس من ذلك، وقيل: أنت رجل محصل، وقد ادَعيتَ ما لا يقبل منك. قلتُ: أما قولي أجل، فلأنها بلدة جمعت الدنيا والاَخرة: فمن كان من أبناء الدنيا وأراد الآخرة وجد سوقها، ومن كان من أبناء الآخرة فدَعته نفسه إلى نعمة الدنيا وجدها؛ وأما طيب هوائها، فإنه لا سمَّ لبردها ولا أذى لحرها؛ وأما الحسن، فلا يرى أحسن من بنيانها ولا أنظف منها ولا أنزه من مسجدها؛ وأما كثرة الخيرات، فقد جمع الله فيها فواكه الأكوار والسهل والجبل والأشياء المتضادة كالأترج 1 واللوز والرطب والجوز والتين و الموز؛ وأما الفضل فهي عرصة القيامة ومنها النشر وإليها الحشر؛ وإنما فضلت مكة بالكعبة والمدينة بالنبي (صلى الله عليه وسلم) ويوم القيامة تزفان إليها، فتحوي الفضلَ كله؛ وأما الكبر، فالخلائق كلهم يحشرون إليها؛ فأي أرض أوسع منها؟ فاستحسنوا ذلك وأقروا به.
إلا أن له عيوباً عدة يقال إن في التورية مكتوب: بيت المقدس طشت ذهب مليء عقارب، ثم لا ترى أقذر من حماماتها، ولا أثقل مؤنة، قليلة العلماء كثيرة النصارى، وفيهم جفاءٌ على الرحبة والفنادق، ضرائب ثقال على ما يباع، فيها رجالة على الأبواب فلا يمكن أحداً أن يبيع شيئاً مما يرتفق به الناس إلا بها مع قلة يسار، وليس للمظلوم أنصار، والمستور مهموم والغني محسود، والفقيه مهجور والأديب غير مشهود، لا مجلس نظر ولا تدريس، قد غلب عليها النصارى واليهود وخلا المسجد من الجماعات والمجالس 2.
1 : الأترج (من فصيلة الليمون)
2 : أنظر: شمس الدين المقدسي، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، تحقيق د. محمد مخزوم، بيروت: دار إحياء الترث العربي، 1987، ص144. ياقوت الحموي، معجم البلدان، تقديم محمد عبد الرحمن المرعشلي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1997، ط1، ص.