قبة الصخرة وقبة السلسلة [ العالم كما رأيته ]



قال محمد ثابت في وصف قبة الصخرة: تقوم على مثمن قطره 177 قدما ولها سبعة أبواب تولى شطر الجهات الأربع، والغربي منها باب الجنة ويصلى على الأموات فيه عادة. بناها خليفة دمشق ليظهر على خلفاء مكة منافسيه سنة 691. وقيل إنها كلفته سبعة أضعاف خراج مصر. أما صفحات ذاك المثمن من الخارج فيكسى نصفها الأسفل بالرخام المجزع والنصف الأعلى بالقيشاني في ألوان عدة أظهرها الأزرق والأخضر في إبداع دونه كل وصف. وتزين الأعلى آيات الذكر الحكيم بالخط الكبير وبخاصة سورة "يس". وقد جمل ذاك القيشاني سليمان القانوني، وأقام القبة نفسها الحاكم بأمر الله سنة 1022م من خشب مرصع علوه 96 قدماً وقطره 75 ، وتكسى من خارجها بالرصاص وترفعها من داخلها أعمدة تيجانها ورؤوسها بيزنطية ونوافذها مخرمة في أشكال هندسية جذابة يغشاها الزجاج بألوان تبهر النظر، تتجلى من الظلام الرهيب الذي يسود داخلها. والصخرة المقدسة ذات شكل غير منتظم طولها 58 قدماً وعرضها 44.
ويقال إن النبي لما عرج إلى السماء على البراق من فوق تلك الصخرة، التصقت بحوافر جواده وأخذت تصعد معه حتى جاء جبريل ودفعها إلى الوراء. وقد أشار الدليل إلى موضع إصبع جبريل واضحاً هناك. وإلى جوارها صخرة عليها طابع قدم الرسول، وفوقها شعرتان من لحيته، وبجوار ذلك سيفه وعلمه وعلم من أعلام عمر. نزلنا تلك الصخرة فبدا جوفها كأنه مغارة مظلمة في تجويف وسط الصخر يرن عالياً إذا ضرب باليد ويخال القوم أن ذاك المكان ملتقى الأرواح بعد الموت، ومن ثم أسموه بئر الأرواح.
وبناء قبة الصخرة فوق مرتفع من الصخر نعلوه بدرج محيط بها من جميع نواحيها، وفي أعلى كل درج أقواس الموازين، ويقولون إنه في اليوم الآخر ستعلق الموازين فيها لتزن أعمال الناس جميعاً، فمن رجحت موازينه فهو في عيشة راضية. أما قبة السلسلة فتجاور قبة الصخرة بناها مروان كأنموذج للقبة الكبرى، وهى تقوم على سبعة عشر عاموداً رتبت في دائرتين متحدتي المركز بحيث يمكن أن ترى كل الأعمدة في وقت واحد، ويقولون إن سليمان الحكيم علق في هذا المكان سلسلة لكشف شهود الزور الكذابين، فالصادق يستطيع أن يمسك بها، أما المزور فلم يكن ذلك يمكنه ذلك، ومن ثم سميت قبة السلسلة. وذاك النجد الذي أقيمت فوقه القبتان لا شك كان موضع ضرب الغلال "لاروانا" 1.

1 : محمد ثابت، العالم كما رأيته: جولة في ربوع الشرق الأدنى بين مصر وأفغانستان: رحلة محمد ثابت سنة 1932م، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1936، ط2، ص.