الذراع [ منازل القمر ]





الذراع ويسمّى المرزم، وهو المنزلة الخامسة من منازل فصل الصيف، اعتقد العرب انّها ذراع الأسد المقبوضة وهي ليست من كوكبة الأسد. وقالوا للأسد ذراعين: مقبوضة ومبسوطة. والمبسوطة (نجم المرزم) تلي اليمن، والمقبوضة (نجم الشّعرى الغُميصاء) تلي الشام. وهو من منازل القمر، طالعه في التاسع والعشرين من يوليو ومدّته ثلاثة عشر يوما. ونجم المرزم في كوكبة الكلب الأكبر نجم دخل طور نهايته (نفذ منه الهيدروجين وشرع بحرق الهيليوم) ويبعد عن شمستا اربعمائة وتسعين سنة ضوئيّة، وامّا الشّعرى الشّاميّة (الغميصاء) المع نجوم كوكبة الكلب الأصغر فتبعد احدى عشر سنة ضوئيّة؛ قال ساجع العرب: (إذا ظلعت الذراعْ، حسرت الشمسُ القِناعْ، وأشعلت في الأفق الشعاعْ، وترقرق السرابُ بكل قاعْ). ومطر الذراع محمود قلّ ما يخلف. وتزعم العرب أنه إذا لم يكن في السنة مطر، لم يخلف الذراع. قال ذو الرّمة:

وأردَفت الذراعُ لها بنوءٍ سجومِ الماء فانسجل انسجالا

وقال بشر بن أبي خازم:

جادت له الدلوُ والشِعري ونوءهما بكل أسْحمَ داني الودقِ مؤتجفُ

والعرب يقولون: (مطرنا بالشعريين، وبنوءالشعريين). والعرب تفعل ذلك كثيرا. ومثله في القرآن. قال الله عز وجل (مَرجَ البحرينِ يَلتقيانِ). ثم قال: (يخرج منهما اللؤلؤُ والمَرجاُن) وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الماء المالح، لا من الماء العذب. وقال: (وهو الذي مَرجَ البحرينِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وهذا مِلْحٌ أجاج). ثم قال: (ومِن كُلّ ٍ تأكلون لحماً طَريّا وتستخرجون حِليةً تَلبَسونها). والحلية تستخرج من أحدهما. وهذا كما يقال في الكلام (هذه تمرة نخلنا)، وهي تمرة نخلة منها، وكذلك قوله: (يا مَعشر الجنّ والأنس ألم يأتِكم رُسُل منكم). والرسل من الأنس دون الجنّ. وهكذا نسب بشر بن أبي حازم النوء إلى الشعريين معا. قال أبو وجزة السعدي:

زئير أبى شبلين في الغيل أثجمت عليه نجاء الشعريين والحما

(أثجمت)، دامت. و (ألحم)، أقام. و (النجا)، السحاب. وقال:

حنت بها الجوزاء في عدّانها والشعريان بها وحيّ المرزم

(عدّانها)، وقتها. وذكر المرزم مع الشعري، وهما كوكبا الذراع. وربما فعلوا مثل هذا في الذراعين، فنسبوا النوء إليهما، لاتفاق الاسمين وتقارب المعنيين، وإنما النوء للمقبوضة منهما. قال ذو الرمة:

جَداً قِضّه الآساد وارتجست له بنوء الذراعين الغيوثُ الروائحُ

وقال الراعي:

بأسحَمَ من هيج الذراعين أتأمتْ مسايله حتى بلغن المناجيا

وإذا رأيتهم يذكرون الشعري بالحمرة وبالضوء، ويشبّهونها بالنار، فإنما يريدون الشعري العبور. لأنها أشعر عندهم من الغميصاء وأبين لعَين الناظر. فأما قولهم (إذا طلعت الشعري، نشف الثرى، وأجن الصَّرى، وجعل صاحب النخل يرى) فيحتمل أن يكونوا أرادوا العبور. ويحتمل إن يريدوا الغميصاء (أجن الصرى) يريدون تغير الماء المجتمع في الغدران والمناقع لشدّة الحرّ وانقطاع المرار عنه. وتبيّن لصاحب النخل تمر نخلة، لأنه حينئذ يكبر. وكذلك قولهم: (إذا طلعت الشعري سفرا، ولم تر مطرا، فلا تغذوّن إمَّرَةِ ولا إمّرا، وأرسل العُراضات أثرا، يبغينك في الأرض معمرا)، يحتمل أن يكون أراد العبور، ويحتمل أن يكون أراد الغميصاء. وقولهم (سفرا) يريدون إذا رأيتها صبحاً، وهي تُرى صبحا في شدة الحر، و (إلاّمر) الخروف و (العراضات) أثر الإبل. و (المعمر) المنزل، الإبل عريضات الآثار، لأنها تطأ بمياسم وآثارها عراضٌ. وكانوا يقولون: (إذا رأيت الشعريين يحوزهما الليل، فهناك لا يجد القرّ مزيدا. وإذا رأيتهما يحوزهما النهار، فهناك لا يجد الحر مزيدا) وكانوا يقولون: (إذا طلعت الشعري والعبور نقعت الأجواف، ونُسئت الإظماء، وأدّت الأرض بعد الندى). هذا من قولهم يدل على أن الحرّ في هذا الوقت قد همّ بالانكسار، وأذن بالأدبار. و (نقوع الأجواف) بردها وريّها. و (نسؤهم الإظماء)، هو أن يؤخّروا سقي الإبل عن الربع إلى الخمس، أو عن الخمس إلى السدس، أو عن الورد إلى الغب، هذا (وما أشبهه، لأنها في وقت طلوع الشعري العبور أقوى على العطش وأصبر عن الماء. وقولهم (وأدت الأرض بعد الندى)، يريدون أن الرجل يصبّ الماء على الأرض من أول الليل ويصبح في الأرض بقية منه ولم تنشفه
كله كما كانت تنشفه قبل ذلك.
قال ابو الطيّب المتنبي:

وشزّبٌ أحمت الشّعري شكائمها ووسّمتها على آنافها الحكم

والشزب: جمع الشازب، وهو الفرس الضامر. وقوله: أحمت الشعري شكائمها إنما قال ذلك؛ لأن طلوع الشعرى (نهارا) يكون في شدة الحر، فأضاف الفعل إليها. والشكيمة: رأس اللجام. وقوله: فوسمتها. من السمة التي هي الكي. والحكم: جمع حكمة وهي ما على أنف الدابة.
في الذراع يستمر اشتداد الحر، وتنشط رياح السموم اللاهبة، وترتفع درجة الرطوبة، وتسود الرياح الشمالية الشرقية . فيه اوان استخراج اللؤلؤ، وينضج في الذراع الرمان والفاكهة والخضار الصيفيّة، كالبطيخ ، والشمام ، والذرة الصفراء، والقثاء ، والخيار، والملوخية ، والجرجير، والقرع ، والباذنجان ، والكوسة، والبصل ، والفلفل ، والثوم ، والباميا، والطماطم، والملفوف ، وزهرة القرنبيط، والسمسم، ويكثر ليمون أبو زهيرة، ويكثر الرطب حتّى قيل: ( إذا طلع المرزم يملأ ما فوق المحزم ) أي يملأ ما فوق الحزام من باكورة الرطب. يزرع في منزلة الذراع فسائل النخيل، وينصح فيه المزارعون بكثرة سقي المزروعات، مع تقصير فترات الري ، وعدم الإسراف، كما تكثر فيه الأفاعي وتبدأ في اواخره هجرة طيور الخواضير.
والعرب تقول ايضا: اب اللهاب .
تحكي الأساطير الإغريقيّة انّ اكاريوس الأثينيّ الطيّب اراد التقرّب الى اله الخمر ديونيسوس بأن قدّم الى فريق من الرعاة خمرا، فلمّا ثملوا ظنّوا انّه سقاهم سمّا فقتلوه، ولمّا اهتدت ابنته ايريجوني وكلبها مايرا الى مكان الجثّة راعها ما رأت، وغمّت فشنقت نفسها فوق قبر ابيها، وامّا الكلب فقفز منتحرا إلى الهاوية. وعندما انتهى الى ديونيسوس الخبر، رفعهما الى السماء عرفانا، فأصبحت ايرجوني كوكبة العذراء (السنبلة)، وامّا النجم بروكيون (الشعرى الغميصاء) فما هو الاّ كلبها المخلص مايرا بعينه.