الرشاء [ منازل القمر ]




وتعني الحبل، ويسّمى كذلك الحوت (السمكة)، وبطن الحوت، وقلب الحوت، وهو ثاني الذراعين (من المذّرع وهو المطر يرسخ في الأرض قدر ذراع) من منازل القمر، طالعه في التاسع والعشرين من نيسان (أبريل)، ومدّته ثلاثة عشر يوما.
والقلوب التي ينزلها القمر أربعة هي: قلب العقرب وقلب الأسد وقلب الثور وقلب الحوت (قلب السمكة). ومن امثال العرب: "اتبع الدلو الرشاء". قال زهير:

فشج به الأماعز وهي تهوي هوي الدلو أسلمها الرشاء

أي شج هذا الحمار المذكور يعني علا بها أي بالأتان الاماعز وهي الأمكنة الغليظة وهي تهوي أي تسرع إسراع الدلو أسلمها الرشاء أي انقطع عنها حبلها فهوت إلى قعر البئر ولا أسرع منها حينئذ. والرشاء (أي الحبل)، نجم يبعد مائة وتسع وثلاثين سنة ضوئيّة عن الأرض، وهو نجم ثنائي يستغرق دوران احدهما حول الآخر دورة كاملة سبعمائة سنة، وفي سنة 2060 م سيبلغان اكثر اقتراب لبعضهم البعض.
قال ساجع العرب:
(إذا طلعت السمكةْ. نُصبت الشبكة، وأمكنت الحركةْ، وتعلّقت بالثوب الحسكهْ. وطاب الزمان للَنسَكهْ). (تعلّقت الحسكة)، يريد شوكة السعدان؛ يعني أن النبت قد أشتد وقوى، فعلقت الحسكة بالثوب وغيره. و(نصبت الشباك) للطير لأنها حينئذ تسقط في الرياض وتصوّت. و (طاب الزمان للنسكة)، يريد النساك المتقللين الذين يسيحون في الأرض ولا يبالون كيف أخذوا، ولا يتأذون بحّرّ ولا برد. ويقال : اذا طلع الحوت خرج الناس من البيوت.
يعتدل في منزلة الرشا الجو ليلا ، ويميل إلى الحرارة وقت الظهيرة، كما يختفي في شعاع الشمس عنقود ( الثريا ) النجمي عن الأبصار مدة ( 40 يوما ) ، وتسمى هذه المدة ( كنّة الثريا ) .
يغرس في طالع الرشاء أفراخ النخيل، ويبدأ فيه جمع ثمار الخيار ، والقثاء ، والمشمش ، وعسل النحل . كما يوضع في الأشجار الدفعة الثانية من السماد . وتدلى فيه قنيان النخيل بعد مرور ثمانية أسابيع ( 56 يوما ) من نهاية التلقيح . وطالع الرشاء غير صالح لزراعة البرسيم .
يحبّذ زراعة البطيخ، والسمسم، والقطن، والقرع ، والكوسة ، والباذنجان، والطماطم .
قاال علي بن محمد الكاتب:

والبدرُ كالملكِ الأَعلى وأنْجُمُهُ جنودُهُ ومباني قصره الفَلَكُ
والنهرُ من تحته مثلُ المجرةِ وال رشاء يشبهه في مائِهِ السمك

وقال السرقسطي يصف نجوم السماء:

سرت وَنَواظر الرقباء رَمدٌ وَعَينُ الدَهر رَيّا بِالمَنام
وَقَد لَبَست نُجوم الجو بُرداً أَجادت صَبغه أَيدي الظَلام
كَأَن زبرجدَ الخَضراء روض تَفتّح عَن بهارٍ في كِمامِ
كَأَن البَدر فيهِ أَمير قَومٍ سَرى مِنهن في جَيشٍ لَهام
يُبثُّ جُنوده شَرقاً وَغَرباً وَقَد بَعَثَ الطَلائع مِن أَمام
تَكشَّف عَن ضَمير اللَيل سراً سَيَعجله الصَباح عَن اِكتِتام
كَأَن الفَرقدين إِذا اِستكنا حَبيبان اِستكانا للغرام
كَأَن سُهيلها رجل مَروعٌ توجس خيفَةً مِن ذي اِنتِقام
كَأَن خُفوقه قَلبُ المُعنى تَشكى ما يُلاقي مِن هِيام
كَأَن تَبرج الشِعري خَليع مِن الفَتيات وَاضِعَةُ اللثام
كَأَن بَنات نَعشٍ إِذ تَبَدّت حوائِمُ حَول منهلها ظَوامي
كَأَن سُها النُجوم بِها عَليل يُنازع ما يَبينُ مِن السقام
كَأَن الحوت حينَ بَدا غَريقٌ بِآذيٍّ مِن الأَمواج طام

وقال فتيان الشاغوري:

وَاِذكُر دِمَشقَ فَإِنَّ اللَهَ فَضَّلَها عَلى البِلادِ بِما لا يُمتَرى فيهِ
زَهَت بِجامِعِها وَالنَسرِ مُمتطِياً قَوادِمَ النَسرِ تَتلوها خَوافيهِ
وَقَد أَناخَت عَلى الجَوزاءِ قُبَّتُهُ تُبدي الهِلالَ الَّذي لا شَيءَ يُخفيهِ
شَكَّت بِسَفّودِها جَوزَ الهِلالِ وَقَد نَحَت بِهِ نَحوَ قَلبِ الحوتِ تَشويهِ

والسفّود هي الحديدة التي يشوى بها اللحم.
وقال ابن دانيال الموصلي:

وحاوٍ منَ الحُسنِ منْ صدْغهِ عقارِبَ قد جاوزَتْ أَحنَشا
بَذَلتُ لهُ الرُّوحَ في وَصْله وقاضي الهوى لا يحب الرشى
وبدرٌ لهُ أَدمُعي نثرةً يفوق الهلالَ بَدا في الرَّشا
يَكَيْتُ وفي كَبِدي الواقدِي فأمسى بهِ ناظري الأخفشا
فَسُبحانَ مَنْ صَدَّني عَنْ سواهُ كأن بهِ ناظِري في غشا
وَغُصْنٌ فؤادي بهِ طائرٌ على أنّهُ منه قد ريّشا

تحكي الأساطير انّ الوحش الجبّار تيفون ارعب آلهة الأولمب لمّا داهمهم في مسكنهم في جبل الأولمب. يروى انّ كلّ إله أتخذ شكل حيوان هربا منه، حتّى زيوس نفسه، تحول إلى حمل وديع. أمّا أفروديت، وابنها ايروس فقد تحوّلا الى سمكتين سبحتا بعيدا هربا عنه وانزلقتا الى نهر الفرات. فرفعت مينرفا -إلهة الحكمة- السمكتين الى قبّة السماء، حتّى تظلّ هذه الحكاية -التي تنمّ عن حكمة افروديت- عبرة للأنام على مرّ الزمان.