السلطان البناء قايتباي [ القاهرة ]



كانت السنوات الست الأولى من حكم السلطان قايتباي (1468- 1495) يسودها الأمن والهدوء، فاستطاع قايتباي أن يشبع ميله إلى البناء، ويرجع إلى هذا العهد مسجده، وضريحه وسبيله في القرافة الشرقية (1472- 1474)، ثم هناك حوضه، ومقعده، وربعه، وسبيل آخر، وحوض آخر (1474- 75) ثم مدرسته الفخمة بقلعة الكبش (1475)، ومسجد آخر، وخانات، وقصور أخرى نجا بعضها من التدمير. أضف إلى هذا ما أمر بتجديده وإضافته في مباني الأزهر، وقلعة الجبل. وقد رغب الأمراء الكبار في بلاط قايتباي أن يقلدوا مولاهم فخلفوا لنا مجموعة من العمائر الجميلة التي رصعوا بها القاهرة ونذكر منها مساجد الأمير قجماس الأسحقي، وأبي بكر مزهر، وأزبك اليوسفي وأزبك بن ططخ الذي هدمت أزبكيته لتفسح مكاناً لدار الأوبرا في سنة 1869.
إن طائفة مباني السلطان قايتباي في القرافة الشرقية تشتمل على أجمل الخصائص والميزات المعمارية التي تتسم بها عمارة دولة المماليك، وما بلغته من السمو والرقي.. وليس هذا الأثر مسجداً فحسب، بل إنه مجموعة مؤلفة من مدرسة وضريح وسبيل، شيدت كلها في انسجام وتناسق وجمال في داخلها وخارجها. أما المئذنة فتعتبر من أجمل مثيلاتها في القاهرة- في رشاقتها الجذابة وهي من ثلاث دورات، حلي بدن دورتها الأولى بنقوش وكتابات، وحلي بدن الدورة الثانية بنقوش مورقة، وتقوم الدورة الثالثة على عمد رقيقة.
وواجهة المسجد الرئيسية هي الواجهة البحرية وبها الباب الذي حلي بالرخام الملون والكتابات، وكتب على جانبيه اسم قايتباي وتاريخ عام 877هـ.. وتعلوه دائرتان رخاميتان كتب فيهما: " عز لمولانا السلطان الملك الأشرف قايتباي .. عز نصره". وعلى يسار الباب سبيل تعلوه المدرسة. ولهذا المسجد الأنيق أربعة إيوانات معقودة تطل على الصحن، ويغطيه سقف يتوسطه منور نقش بزخارف ملونة ومذهبة.
وشيد قايتباي مدرسة بالكبش (880- 1475)، ولها بابان كبيران، نقش على أحدهما: أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة سيدنا ومولانا الأشرف السلطان الملك أبو النصر قايتباي"، ونقش على الباب الثاني كتابة مثلها.
وهناك كتابة نقشت على الطنف الداخلي نصها: "أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة سيدنا ومولانا الملك الأشرف قايتباي أعز الله أنصاره، وكان الفراغ من ذلك في مستهل شهر شعبان المبارك سنة 886 من الهجرة النبوية".
وهناك في شارع شيخون بالصليبة شيد السلطان قايتباي سبيلاً جميلاً تعلوه كتابات نصها: "أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك السعيد من فضل الله تعالى وجزيل عطاءه العميم مولانا المقام الشريف السلطان المالك الملك الأشرف أبو النصر قايتباي بتاريخ شهر ذي الحجة سنة أربع وثمان مائة". يعلو السبيل كتاب لتعليم الأطفال وتحفيظهم القرآن، ويعتبر هذا السلطان أول من أفرد السبيل والكتاب عن المدرسة أو المسجد، ولهذا السبيل واجهتان شامختان كسيتا بالرخام الملون ويعتبر من أجمل أسبلة مصر 1.
1 : عبد الرحمن زكي، بناة القاهرة في ألف عام، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986، ص 67- 69.