المصاحف العثمانية في القاهرة [ القاهرة ]



الفن العثماني يتجلى واضحاً في هذه المصاحف من خلال الخط العربي الموروث عن الأمم الإسلامية التي أخضعوها لسيادتهم، لقد قلدوا كل ما كان معروفاً من صور الخط العربي، الكوفي، والأقلام الستة التي كانت شائعة في العراق عهد الخليفة المستعصم بالله، النسخ، والمحقق، والثلث، والتوقيع، الريحاني، والرقعة، وفي كتابة المصاحف نبغ عدد من الخطاطين العثمانيين منهم أسعد يساري أفندي، وعلي بن يحيى الصوفي، وحمد الله الأماسي من القرن الخامس عشر وأحمد قره حصاري من القرن السادس عشر، وحافظ حسن من أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر وإسماعيل أفندي من أواخر القرن الثامن عشر، وأحمد شفيق بك من القرن التاسع عشر.
وعلي بن يحيى الصوفاني ذاع صيته في زمن السلطان محمد الفاتح، وقد كتب عدة مصاحف، وإليه تنسب الكتابة الجميلة الموجودة في مسجد الفاتح باسطنبول، أما حمد الله الأماسي، فيروى عنه أن السلطان كان يحترمه ويجله ويحمل له الدواة عند الكتابة. وقد سأله ذات يوم عما إذا كان من الممكن إنشاء طراز خاص للخط العربي يختلف عن الطرز المألوفة، فسكت ولم يجب، عاد إلى بيته حيث اعتزل الناس أربعين يوماً عكف فيها على دراسة وتأمل كافة أنواع الخط العربي، وطور بعضها، وفي نهاية الأربعين يوماً كان قد خلق أشكالاً جديدة من الخط، وحمد الله الأماسي قصر نشاطه على كتابة النصوص الدينية، وكان يكتب البسملة بالخط الثلث، أما الآيات فكان يكتبها بالخط النسخ.
أما أحمد قره حصاري فقد كان تلميذاً لحمد الله الأماسي، ونستطيع أن نرى خطه الجميل في المصحف الكبير الذي كتبه للسلطان سليمان القانوني، أما المصاحف التي نسخها حافظ عثمان تعد مثلاً أعلى يحتذى به في الخط النسخي أو المحقق. وفي القرن الثامن عشر ظهر إسماعيل أفندي الذي أتقن فن الخط إتقاناً تاماًن حتى أن كثيرون من الناس إذ رأوا المصاحف التي كتبها ظنوها من خط حمد الله الأماسي أشهر خطاطي المصاحف العثمانية.
وفي المسجد الجامع بمدينة بروسه، نقرأ على أحد الأعمدة عبارة "قال الله تعالى عز وجل"، يستوقفنا خطها الجميل الذي كتبه أحمد شفيق بك، الخطاط المشهور، والذي عاش في القرن التاسع عشر. ويجب أن نذكر أن السلاطين العثمانيين أنفسهم ساروا على نهج بعض سلاطين العثمانيين مثل عضد الدولة البويهي، والسلطان أحمد الجلانرى والشاه طهماسب الأول، والسلطان الجايتو، وذلك بأن كل منهم كان ينسخ المصحف الشريف بخط جميل 1.
1 : جمال الغيطاني، ملامح القاهرة في ألف سنة، القاهرة: دار نهضة مصر، 1997، ص 203- 204.