وصف جامع السلطان حسن [ القاهرة ]




بنى السلطان حسن بن الناصر محمد هذا المسجد الذي سمي باسمه ويعد خير أبنية المماليك جميعا. اعتلى السلطان حسن العرش للمرة الأولى في العام 748هـ (1347)، وعزله أمراؤه في العام 752هـ، لكنه استطاع خلع أخيه واستعادة عرشه في العام 755هـ، وبقي حاكماً حتى العام 762هـ (1361)، ولم يكن حسن محبوباً أو جديراً بالحكم، لكنه خلف عمارة جليلة خلدت اسمه في مسجد السلطان حسن. إنه أجمل مساجد القاهرة، شيد على نظام المدرسة. وكان موضعه بيت الأمير يلبغا اليحياوي وابتدأ السلطان عمارته في سنة سبع وخمسين وسبعمائة وعمله في أكبر قالب وأحسن هندام وأضخم شكل فلا يعرف في بلاد الإسلام معبد من معابد المسلمين يحكي هذا الجامع. أقيمت العمارة فيه مدة ثلاث سنوات بدون عطلة يوم واحد وأرصد لمصروفه كل يوم عشرون ألف درهم (ستمائة جنيه)، ولقد قيل أنه صرف على القالب الذي بني عليه عقد الإيوان الكبير مائة ألف درهم وذراع هذا الإيوان خمس وستون ذراعاً في مثلها، ويقال إنه أكبر من إيوان كسرى بالمدائن في العراق بخمسة أذرع وقبته العظيمة لم يبين بديار مصر والشام والعراق والمغرب واليمن مثلها وكذلك المنبر الرخامي الذي لا نظير له والبوابة العظيمة وقد عزم السلطان على أن يبني أربع منائر يؤذن عليها فتمت ثلاث منها إلى أن كان يوم السبت السادس من شهر ربيع الآخر سنة 762هـ فسقطت المنارة القريبة من المدخل فهلك تحتها نحو ثلاثمائة نفس فأبطل السلطان بناء هذه المنارة ونظيرتها، ولما سقطت المنارة لهجت عامة مصر والقاهرة بأن ذلك منذر بزوال الدولة فقال الشيخ بهاء الدين أبو حامد بن علي بن محمد السبكي في سقوطها:

أبشر فسعدك يا سلطان مصر أتى
بشيره بمقال سار كالمثل
إن المنارة لم تسقط لمنقصة
لكن خفي قد تبين
من تحتها قرئ القرآن فاستمعت
فالوجد في الحال أداها إلى الميل

واتفق أن قتل السلطان بمكيدة دبرها بعض كبار أمرائه بعد سقوط المنارة بثلاثة وثلاثين يوماً ومات قبل أن يتم رخام هذا الجامع فأتم قسماً منه بشير الجمدار (كشف الأستاذ حسن عبد الوهاب في نوفمبر 1944 عن اسم مهندس هذا المسجد، محمد بن بيلبك مكتوباً في الطراز الجصي بالمدرسة الحنفية). ويبلغ ارتفاع جدران هذا المسجد 113 قدماً مبنية بالحجارة المنحوتة الكبيرة المأخوذة من أنقاض الأهرام وتحلي النوافذ العديدة واجهته الممتدة. وأجمل مظاهر الجامع طنفه الفخم المكون من ست وصلات من المقرنصات واحدة تعلو الأخرى ويتوجه جدرانه الشامخة بينما تزين مدخل الجامع تلك النقوش القوية والزخارف الهندسية والأعمدة ذوات التيجان المقرنصة.
ولا يقل داخل الجامع أبهة ورونقاً عن خارجه، فالكتابات الكوفية والعربية المنقوشة على الجدران تزينه وتزيده حسناً وجمالاً، في مقصورة القبر كتبت آية الكرسي بالكوفية على الجدران الأربعة على ألواح الخشب الثمين، وتعلو المقصورة القبة الجديدة وهي ليست بقبة الجامع الأصلية، فقد تهدمت في عام 1660 وكان قد وصفها "بيترو ديلافالي" الرحالة لما زار القاهرة عام 1616م.
هذا وأكثر مشكاواته النحاسية ومصابيحه الزجاجية المطلية بالميناء لا تزال محفوظة في متحف الفن الإسلامي، ولما شرع السلطان الملك المؤيد شيخ في عمارة جامعه بجوار باب زويلة اشترى باب الجامع النحاس ونقله إلى جامعه عام 819هـ/1416.
وكان هذا الجامع مقاوماً لقلعة الجبل فقلما تكون فتنة بين زعماء الدولة حتى يصعد إلى سطحه عدة أمراء وغيرهم ويبدأ الرمي منه على القلعة فلم يحتمل ذلك الملك الظاهر برقوق وأمر بهدم الدرج الذي كان يصعد منه إلى المنارتين ويصل الإنسان من هذا الدرج إلى السطح الذي كان يرمى منه على القلعة وهدمت البسطة العظيمة والدرج الذي كان بجانبي هذه البسطة أمام باب الجامع حتى لا يمكن الصعود إليه وسد من وراء الباب النحاسي وفتح شباك من شبابيك أحد مدارس هذا الجامع الأربعة وامتنع صعود المؤذنين على المنارتين وبقي الأذان على درج هذا الباب ومع ذلك فقد استمر الجامع مركزاً للمناوشات وتبادل الطلقات لفترة طويلة ولا تزال آثار بعض "الجلل" باقية عليه للآن.
وقد ذكر "ستانلي لين بول" أن إحدى مئذنتي الجامع كانت تتصل بسور القلعة بحبل كان يلعب "بهلوان أوروبي" تسلية للجماهير التي كانت تفد لمشاهدة مخاطراته. ومع كل ما مر بهذا الجامع الخالد من الحوادث والذكريات والسنين والأيام لم يزد إلا عظمة ووقاراً بالرغم مما ظهر على وجهه من ملامح الشيخوخة. وهو لا يزال أثمن وأفخر أثر إسلامي خلفه لنا أبناء القرن الرابع عشر 1.
1 : عبد الرحمن زكي، بناة القاهرة في ألف عام، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986، ص 53- 57.