صين كلان مدينة صين الصين [ تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ]



قال ابن بطوطة بعد خروجه من مدينة الزيتون الصينية وسيره عبر نهر الصين الأعظم: وسافرنا في هذا النهر سبعة وعشرين يوماً. وفي كل يوم نرسو عند الزوال بقرية، نشتري بها ما نحتاج إليه، ونصلي الظهر. ثم ننزل بالعشي إلى أخرى. وهكذا إلى أن وصلنا مدينة صين كلان "بفتح الكاف"، وهي مدينة صين الصين، وبها يصنع الفخار، وبالزيتون أيضاً. وهنالك يصب نهر آب حياة في البحر، يسمونه مجمع البحرين. وهي من أكبر المدن، وأحسنها أسواقاً. ومن أعظم أسواقها سوق الفخار، ومنها يحمل إلى سائر بلاد الصين والهند واليمن. وفي وسط هذه المدينة كنيسة عظيمة، لها تسعة أبواب، داخل كل باب أسطوان ومصاطب، يقعد عليها الساكنون بها، وبين البابين الثاني والثالث منها موضع فيه بيوت يسكنها العميان، وأهل الزمانات. ولكل واحد منهم نفقته وكسوته من أوقاف الكنيسة. وكذلك فيما بين الأبواب كلها. وفي داخلها المارستان للمرضى، والمطبخة لطبخ الأغذية، وفيها الأطباء والخدام. وذكر لي أن الشيوخ الذين لا قدرة لهم على التكسب، لهم نفقتهم وكسوتهم بهذه الكنيسة، وكذلك الأيتام والأرامل ممن لا مال لهم. وعمر هذه الكنيسة بعض ملوكهم، وجعل هذه المدينة وما إليها من القرى والبساتين وقفاً عليها. وصور ذلك الملك مصورة بالكنيسة المذكورة، وهم يعبدونها. وفي بعض جهات هذه المدينة بلدة المسلمين، لهم بها المسجد الجامع والزاوية والسوق، ولهم قاض وشيخ. ولا بد في كل بلد من بلاد الصين من شيخ الإسلام، تكون أمور المسلمين كلها راجعة إليه، وقاض يقضي بينهم. وكان نزولي عند أوحد الدين السنجاري، وهو أحد الفضلاء الأكابر ذو الأموال الطائلة، وأقمت عنده أربعة عشر يوماً، وتحف القاضي وسائر المسلمين تتوالى علي. وكل يوم يصنعون دعوة جديدة، ويأتون إليها بالعشارين الحسان والمغنين. وليس وراء هذه المدينة مدينة، لا للكفار ولا للمسلمين. وبينها وبين سد يأجوج ومأجوج ستون يوماً فيما ذكر لي، يسكنها كفار رحالة يأكلون بني آدم إذا ظفروا بهم. ولذلك لا تسلك بلادهم ولا يسافر إليها. ولم أر بتلك البلاد من رأى السد، ولا من رأى من رآه.