محلات البصرة الثلاث هذيل وبني حرام والعجم [
تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ]
قال ابن بطوطة بعد خروجه من موضع المشيرب: ثم رحلنا منه ونزلنا بالقرب من البصرة، ثم رحلنا فدخلنا ضحوة النهار إلى مدينة البصرة. فنزلنا بها في رباط مالك بن دينار، وكنت رأيت عند قدومي عليها على نحو ميلين منها بناء عالياً مثل الحصن، فسألت عنه، فقيل لي: هو مسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكانت البصرة من اتساع الخطة وانفساح الساحة بحيث كان هذا المسجد في وسطها. وبينه الآن وبينها ميلان، وكذلك بينه وبين السور الأول المحيط بها نحو ذلك، فهو متوسط بينهما.
ومدينة البصرة إحدى أمهات العراق الشهيرة الذكر في الآفاق الفسيحة الأرجاء المونقة الأفناء، ذات البساتين الكثيرة والفواكه الأثيرة، توفر قسمها من النضارة والخصب، لما كانت مجمع البحرين: الأجاج والعذب، وليس في الدنيا أكثر نخلاً منها، فيباع التمر في سوقها بحساب أربعة عشر رطلاً عراقية بدرهم، ودرهمهم ثلث النقرة. ولقد بعث إلى قاضيها حجة الدين بقوصرة تمر، يحملها الرجل على تكلف، فأردت بيعها، فبيعت بتسعة دراهم، أخذ الحمال منها ثلثها عن أجرة حملها من المنزل إلى السوق. ويصنع بها من التمر عسل يسمى السيلان، وهو طيب كأنه الجلاب.
والبصرة ثلاثة محلات: إحداها محلة هذيل، وكبيرها الشيخ الفاضل علاء الدين بن الأثير، من الكرماء الفضلاء، أضافني وبعث إلي بثياب ودراهم، والمحلة الثانية محلة بني حرام، كبيرها السيد الشريف مجد الدين موسى الحسنى، ذو مكارم وفواضل، أضافني وبعث إلي التمر والسيلان والدراهم، والمحلة الثالثة محلة العجم، كبيرها جمال الدين ابن اللوكي. وأهل البصرة لهم مكارم أخلاق وإيناس للغريب وقيام بحقه، فلا يستوحش فيما بينهم غريب. وهم يصلون الجمعة في مسجد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الذي ذكرته، ثم يسد فلا يأتونه إلا في الجمعة.
وكان أمير البصرة حتى ورودي عليها يسمى بركن الدين العجمي التوريزي، أضافني فأحسن إلي. والبصرة على ساحل الفرات والدجلة، وبها المد والجزر، كمثل ما هو بوادي سلا، من بلاد المغرب، وسواه، والخليج المالح الخارج من بحر فارس على عشرة أميال منها. فإذا كان المد غلب الماء المالح على العذب، وإذا كان الجزر غلب الماء الحلو على الماء المالح، فيستسقي أهل البصرة ماء غير جيد لدورهم. ولذلك يقال: إن ماءهم زعاق. قال ابن جزي، وبسبب ذلك كان هواء البصرة غير جيد، وألوان أهلها مصفرة كاسفة، حتى ضرب بهم المثل.
وقال ابن بطوطة بعد خروجه من الحويزاء وهو في طريق عودته إلى طنجة: ثم (سافرت) إلى البصرة، وزرت بالبصرة القبور الكريمة التي بها، وهي قبر الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وحليمة السعدية، وأبي بكرة، وأنس بن مالك، والحسن البصري، وثابت البناني، ومحمد بن سيرين، ومالك بن دينار، ومحمد بن واسع، وحبيب العجمي، وسهل بن عبد الله التستري، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
قال التازي: موقع مدينة البصرة أنشئت عام 17=639 أيام الخليفة عمر ابن الخطاب تُرك في القرن السادس الهجري= الثاني عشر الميلادي، وتم الاتجاه نحو موقع آخر يوجد على بعد خمس كيلو مترات في الغرب، وفي مكان البصرة القديمة توجد اليوم مدينة الزبير وقد قام البروفيسور ماسينيبون بدراسة لموقع البصرة 1956.
وقال: يتحدث ابن حوقل عن أنهار البصرة فيذكر أنها عُدّت أيام بلال بن أبي بردة (ت 126=744) فزادت على مائة ألف نهر وعشرين ألف نهر، تجري فيها الزوارق وكنت أنكر ما ذكر.. حتى رأيت كثيراً من تلك البقاع فرأيت في مقدار رمية سهم عدة من الأنهار صغاراً تجري في جميعها المسماريات (المخيطة بالمسامير- ذات ألواح ودُسرُ)، ولكل نهر اسم ينسب به إلى صاحبه الذي احتفره أو إلى الناحية التي ينصب منها أو ينصب ماؤه إليها..! وفي تعليق لاحق عن المدينة قال المعلق: دخلتها سنة 537=1142 وقد خربت ولم يبق من آثارها إلا الأقل، وطمست محالّها فلم يبق منها إلا محال معلومة كالنحاسين والقساميل وهذيل والمربد وقبر طلحة، وقد بقي من محلة بيوت معدودة، وباقي بيوتها إما خراب، وإما غير مسكونة، وجامعها باق في وسط الخراب كأنه سفينة في وسط بحر لجيّ.. وسورها القديم قد خرب ، وبينه وبين ما قد بقي من العمارة مسافة بعيدة.. وسبب خرابها ظلم الولاة والجور.. وقد تميزت مخطوطة تونس بذكر اللولي بدل اللوكي، وقد يكون معنى اللولي المشتغل باللؤلؤ.. هذا وقد حفلت المخطوطة التونسية لابن بطوطة بطرّة مستقاة من شراح مقامات الحريري ومن الخريدة..