رحلة الصفار إلى فرنسا (1845-1846) [
روّاد الآفاق ]
رحلة الصفار إلي فرنسا (1845-1846)
محمد بن عبدالله الصفارالأندلسي التطواني/ مؤلف
حقّقها وقدَّم لها : سوزان جليزن ميللر/ أمريكا – عربها وشارك في التحقيق: د. خالد بن الصغير/ المغرب
الطبعة الأولى، 2007
يعود الفضل إلى الأستاذ الفقيه محمد المنوني في إرشاد الباحثة الأمريكية سوزان ميلار وتنبيهها إلى وجود نسخة فريدة من رحلة الصفار إلى فرنسا، ضمن محفوظات الخزانة الحسنية بالرباط. ويتكون هذا المخطوط في مجموعه من مائة وتسعة وثلاثين صفحة، يبلغ طول كل منها 21,5 سنتمترا، وعرضها 17 سنتمترا. ويتضمن نص كل صفحة واحدا وعشرين سطرا، كتبت بخط مغربي متأن جله واضح المعالم. ولم يكن هذا المخطوط يحمل توقيعا أو اسما للمؤلف، غير أن قرائن عديدة، لا تدع مجالا للشك في أن الرحلة من تأليف الفقيه محمد بن عبد الله الصفار الأندلسي التطواني.
أما موضوع المخطوط، فهو تقرير عن رحلة قام بها المؤلف إلى باريز في دحنبر من سنة 1845، حين عين كاتبا للسفير المغربي عبد القادر أشعاع، الذي بعثه السلطان عبد الرحمن بن هشام في مهمة دبلوماسية إلى فرنسا. وأثناء الرحلة، حرص الصفار على تسجيل مشاهداته، وبعد عودته إلى المغرب كتب تفاصيلها، ربما بإيعاز من عبد القادر أشعاع امتثالا لأمر السلطان.
وينقسم المخطوط في مجموعه إلى ستة أقسام بدأها المؤلف بتوطئة وأنهاها بخاتمة. وتتوسطها أربعة فصول أساسية تتناول مواضيع مختلفة. ومن حيث البنية، تجمع رحلة الصفار بين خصوصيات أدبيات الرحلة في شكلها
الكلاسيكي وعناصر جديدة أكثر حداثة. وفي سنة 1834، صدر عن مطبعة بولاق المصرية كتاب تخليص الإبريز في تلخيص باريز لمؤلفه رفاعة الطهطاوي الذي قضى في باريز خمس سنوات. وقد تأثر محمد الصفار إلى حد كبير بهذا الكتاب شكلا ومضمونا، لكن دون أن يكون مجرد مقلد له. إذ تمكن الصفار بفضل اتساع آفاقه الأدبية من إثراء مؤلفه بأشياء أصيلة، كأبيات شعرية ومقتبسات من القرآن والحديث، وأقوال مأثورة وأمثال ونوادر، وبغيرها من المؤشرات الدالة على مكانته العلمية والأدبية. ويخبرنا الصفار نفسه بأن إنجازه لعمله هذا قد تطلب منه شهورا عديدة.
وأمام هذه المعطيات المغرية، لم تتردد الباحثة سوزان ميلار في اختيار مخطوطة الصفار موضوعا لأطروحة نالت بها درجة الدكتوراه من شعبة التاريخ بجامعة ميشكَن الأمريكية سنة 1976. وتطلب منها بلوغ هذا الهدف بذل جهود كبيرة، ومواجهة العديد من الصعوبات. إذ أصبحت ملزمة بتقوية معرفتها باللغة العربية، وبالاستئناس بقراءة الخط المغربي لتستطيع النفاذ إلى مضامين الرحلة وفهم معانيها، حتى تنقلها إلى الإنجليزية نقلا أمينا خاليا من العيوب. وكان عليها أيضا أن تلم بأدبيات الرحلة عند الغربيين والمسلمين على السواء. هذا علاوة على الإحاطة بما كتبه النقاد الأدبيون والأنثربولوجيون في موضوع الرحلة بوجه عام، مع التركيز على خصوصيات الرحلة المغربية، حتى تضع رحلة الصفار في إطارها الصحيح. وهذا بالإضافة إلى اقتفائها آثار البعثة السفارية المغربية، سواء أفي الأرشيف الفرنسي أم في الوثائق المغربية. وبفضل المساعدات التي تلقتها سوزان ميلار من الجانبين المغربي والأمريكي، فقد حالفها النجاح والتوفيق في مواجهة كل الصعوبات.
غير أنها احتفظت بعملها مرقونا على أحد رفوف مكتبتها مدة قاربت عقدين من الزمن، فظل الإطلاع على نتائجه مقتصرا على الباحثين المتخصصين. ولم يكتب له أن ينشر ليصبح رهن إشارة عموم القراء الأنكلوساكسونيين إلا في سنة 1992، وذلك تحت العنوان الآتي:
Disorienting Encounters: Travels of a Moroccan Scholar in France in 1845-1846. The Voyage of Muhammad As-Saffar. Translated and Edited by Susan Gilson Miller. University of California Press, 1992.
ومما يثير الاستغراب أيضا، أن هذه الرحلة المهمة لم يسبق نشرها في نصها العربي الأصلي بالرغم من اكتشاف وجودها ضمن محتويات الخزانة الحسنية منذ مدة ليست باليسيرة. وكان هذا الاعتبار من الأسباب التي دفعتني، بمناسبة صدور الكتاب أعلاه، إلى الإقدام على مفاتحة سوزان ميلار في الموضوع والإلحاح عليها في تعريب عملها ونشره، حتى تعم فائدته غير قراء الأنجليزية في المغرب وفي العالم العربي. وحين سألتني عن استعدادي لأكون طرفا في المشروع، لم أتردد في القبول على الرغم من ضيق الوقت وكثرة الانشغالات.
وقد اعتقدنا في البداية أن إنجاز العمل بحكم وجود النص العربي للرحلة سيكون سهل المنال، إذ يكفي تعريب الستين صفحة والهوامش المحررة بالأنجليزية في الدراسة والتحقيق. إلا أننا وجدنا أنفسنا أمام مهمة لا تخلو من صعوبات، نشير في عجالة إلى البعض منها.
لقد حرصنا على تعريب الأفكار الواردة في الدراسة تعريبا سليما وأمينا دون المس بمضامينها أو التصرف فيها. غير أن الكتاب في نسخته الأنجليزية كان يستهدف بطبيعة الحال جمهورا من القراء غالبيته العظمى من الغربيين. و لذا نجد سوزان ميلار عند ترجمتها لنص الرحلة إلى الأنجليزية تعمل قدر المستطاع على ترجمتها بطريقة حرفية حفاظا على أمانة النص الأصلي. وكلما اعترضتها كلمة عربية فصيحة كانت أم دارجة، إلا وحاولت إيجاد مقابل لها في الأنجليزية، مع تقديم شروح وجيزة لها في الهوامش لتيسير فهمها، وهذا لم يكن أمرا سهلا. غير أنها اضطرت في بعض الأحيان إلى الوقوف عند أشياء تبدو بسيطة، لكن القارئ الغربي يحتاج إلى شروح لفهمها لأنها غريبة عن ثقافته المادية والدينية. وعند تعريب التحقيق ومراجعة النص العربي للرحلة، اضطررنا إلى التدخل من جديد خاصة في الهوامش، إما لحذف بعضها بحكم أن ما تتضمنه من شروح يعتبر بديهيا ومن باب تحصيل الحاصل لدى القارئ العربي عامة والمغربي خاصة؛ وإما لإضافة هوامش جديدة تتعلق بشرح بعض المفردات التي وإن كانت قد كتبت بالعربية فهي لا تخلو من لبس وغرابة. وحتى نميز بين الهوامش الأصلية ومثيلاتها المضافة، وضعنا بين قوسين كلمة معرب كلما أضيف هامش جديد، سعيا إلى تقديم عمل متكامل قدر الإمكان.
ومن الصعوبات التي واجهتنا عند تعريب هذا العمل، اعتماد الباحثة في بعض الاقتباسات الواردة في الدراسة على الترجمات الأنجليزية لبعض أمهات الكتب العربية مثل مقدمة ابن خلدون أو غيرها. وحتى يمكن العثور على الاقتباس نفسه في لغته الأصلية، كان لابد من الرجوع إلى النسختسن العربية والأنجليزية معا. وللغرض نفسه كان لابد من الرجوع إلى المصادر العربية والمغربية التي أخذت منها بعض المقتبسات بالعربية ونقلت إلى الأنجليزية. وإن زاد ذلك في متاعبنا، فإنه لم يكن خاليا من المتعة والفائدة.
وتجدر الإشارة إلى أن تعريب هذا الكتاب قد تحقق بمساندة من برنامج الدراسات المغربية بمركز الدراسات الشرقية بجامعة هارفارد الأمريكية الذي يولي اهتماما خاصا للبحث في تاريخ المغرب ومجتمعه. وتعمل الدكتورة سوزان ميلار اليوم أستاذة محاضرة متخصصة في الحضارات الإسلامية في قسم حضارات الشرق الأدنى ولغاته بجامعة هارفارد. كما تشغل منصب مديرة لبرنامج الدراسات المغربية بمركز الدراسات الشرقية بالجامعة نفسها منذ تأسيسه.
ويسعدنا في نهاية هذه المقدمة أن نتوجه بالشكر والامتنان إلى كل الذين ساعدوا على إنجاز هذا العمل في كل مراحله. ونخص منهم بالذكر الفقيد الأستاذ الفقيه محمد المنوني، رحمه الله، الذي سبقت الإشارة إلى تفضله بإثارة انتباه سوزان ميلار إلى وجود نسخة من رحلة الصفار بالخزانة الحسنية في الرباط؛ والأستاذ عبد الوهاب ابن منصور الذي مكن هذه الدراسة مشكورا من كل الوثائق المغربية المتصلة بالموضوع؛ والفقيد عبد القادر الرزيني بطنجة الذي مد الدراسة أيضا بعينات من وثائقه العائلية. وفي مرحلة التعريب لم يبخل علينا زملاؤنا وأصدقاؤنا الأساتذة بتوجيهاتهم واقتراحاتهم وتشجيعاتهم. ونخص منهم بالذكر، الأستاذ فوزي عبد الرزاق من جامعة هارفارد، والأساتذة عمر أفا ومحمد معتصم ومحمد أعفيف وجامع بيضا وسعيد بن سعيد العلوي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وكذا الأستاذ محمد حميدة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة.
الدكتور خالد بن الصغير، أستاذ التعليم العالي
شعبة التاريخ، كلية الآداب،
المحمدية، المغرب.